فصل: من فوائد الألوسي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

قالت المعتزلة: إن قوله تعالى: {وَيُرِيدُ الشيطان أَن يُضِلَّهُمْ ضلالا بَعِيدًا} يدل على أن كفر الكافر ليس بخلق الله ولا بإرادته، وبيانه من وجوه:
الأول: أنه لو خلق الله الكفر في الكافر وأراده منه فأي تأثير للشيطان فيه، وإذا لم يكن له فيه تأثير فلم ذمه عليه؟ الثاني: انه تعالى ذم الشيطان بسبب انه يريد هذه الضلالة؟ فلو كان تعالى مريدًا لها لكان هو بالذم أولى من حيث ان كل من عاب شيئا ثم فعله كان بالذم أولى قال تعالى: {كَبُرَ مَقْتًا عِندَ الله أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ} [الصف: 3].
الثالث: أن قوله تعالى في أول الآية صريح في إظهار التعجب من أنهم كيف تحاكموا إلى الطاغوت مع أنهم قد أمروا أن يكفروا به، ولو كان ذلك التحاكم بخلق الله لما بقي التعجب، فإنه يقال: إنما فعلوا لأجل أنك خلقت ذلك الفعل فيهم وأردته منهم، بل التعجب من هذا التعجب أولى، فإن من فعل ذلك فيهم ثم أخذ يتعجب منهم انهم كيف فعلوا ذلك كان التعجب من هذا التعجب أولى.
واعلم أن حاصل هذا الاستدلال يرجع إلى التمسك بطريقة المدح أو الذم، وقد عرفت منا أنا لا نقدح في هذه الطريقة إلا بالمعارضة بالعلم والداعي والله أعلم. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ}.
أظهروا الإخلاص، ونافقوا في السِّر، ففضحهم سبحانه على لسان جبريل عليه السلام بقوله: {يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ} أي يرفضوه. فمن حاد عن طريقه ورجع إلى غير أستاذه استوجب الحرمان والذم. اهـ.

.من فوائد الألوسي في الآية:

قال رحمه الله:
{أَلَمْ تَرَ} خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وتعجيب له عليه الصلاة والسلام أي ألم تنظر أو ألم ينته علمك.
{إِلَى الذين يَزْعُمُونَ} من الزعم وهو كما في [القاموس] مثلث القول: الحق والباطل والكذب ضد، وأكثر ما يقال فيما يشك فيه ومن هنا قيل: إنه قول بلا دليل، وقد كثر استعماله بمعنى القول الحق، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «زعم جبريل» وفي حديث ضمام بن ثعلبة رضي الله تعالى عنه «زعم رسولك» وقد أكثر سيبويه في الكتاب من قوله: زعم الخليل كذا في أشياء يرتضيها وفي شرح مسلم للنووي أن زعم في كل هذا بمعنى القول، والمراد به هنا مجرد الادعاء أي يدعون.
{أَنَّهُمْ ءامَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ} أي القرآن.
{وَمَا أَنَزلَ} إلى موسى عليه السلام {مِن قَبْلِكَ} وهو التوراة، ووصفوا بهذا الادعاء لتأكيد التعجيب وتشديد التوبيخ والاستقباح، وقرئ {أَنَزلَ وَمَا أَنَزلَ} بالبناء للفاعل.
{يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطاغوت} بيان لمحل التعجيب على قياس نظائره؛ أخرج الثعلبي وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما «أن رجلًا من المنافقين يقال له بشر: خاصم يهوديًا فدعاه اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم ودعاه المنافق إلى كعب بن الأشرف، ثم إنهما احتكما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى لليهودي فلم يرض المنافق وقال: تعال نتحاكم إلى عمر بن الخطاب، فقال اليهودي لعمر رضي الله تعالى عنه: قضى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرض بقضائه، فقال للمنافق أكذلك؟ قال: نعم، فقال عمر: مكانكما حتى أخرج إليكما فدخل عمر فاشتمل على سيفه ثم خرج فضرب عنق المنافق حتى برد ثم قال: هكذا أقضي لمن لم يرض بقضاء الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فنزلت»، وفي بعض الروايات «وقال جبريل عليه السلام إن عمر فرق بين الحق والباطل وسماه النبي صلى الله عليه وسلم الفاروق رضي الله تعالى عنه»، والطاغوت على هذا كعب ابن الأشرف، وإطلاقه عليه حقيقة بناءًا على أنه بمعنى كثير الطغيان، أو أنه علم لقب له كالفاروق لعمر رضي الله تعالى عنه، ولعله في مقابلة الطاغوت، وفي معناه كل من يحكم بالباطل ويؤثر لأجله، ويحتمل أن يكون الطاغوت بمعنى الشيطان، وإطلاقه على الأخس بن الأشرف إما استعارة أو حقيقة، والتجوز في إسناد التحاكم إليه بالنسبة الإيقاعية بين الفعل ومفعوله بالواسطة، وقيل: إن التحاكم إليه تحاكم إلى الشيطان من حيث إنه الحامل عليه فنقله عن الشيطان إليه على سبيل المجاز المرسل، وأخرج الطبراني بسند صحيح عن ابن عباس أيضًا قال: كان أبو برزة الأسلمي كاهنًا يقضي بين اليهود فيما يتنافرون فيه فتنافر إليه ناس من المسلمين فأنزل الله تعالى فيهم الآية.
وأخرج ابن جرير عن السدي كان أناس من يهود قريظة والنضير قد أسلموا ونافق بعضهم، وكانت بينهم خصومة في قتيل فأبى المنافقون منهم إلا التحاكم إلى أبي برزة فانطلقوا إليه فسألوه فقال: أعظموا اللقمة، فقالوا: لك عشرة أوساق فقال: لا بل مائة وسق، فأبوا أن يعطوه فوق العشرة، فأنزل الله تعالى فيهم ما تسمعون وعلى هذا ففي الآية من الإشارة إلى تفظيع التحاكم نفسه ما لا يخفى، وهو أيضًا أنسب بوصف المنافقين بادعاء الإيمان بالتوراة، ويمكن حمل خبر الطبراني عليه بحمل المسلمين فيه على المنافقين ممن أسلم من قريظة والنضير.
{وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ} في موضع الحال من ضمير {يُرِيدُونَ} وفيه تأكيد للتعجيب كالوصف السابق، والضمير المجرور راجع إلى الطاغوت وهو ظاهر على تقدير أن يراد منه الشيطان وإلا فهو عائد إليه باعتبار الوصف لا الذات، أي أمروا أن يكفروا بمن هو كثير الطغيان أو شبيه بالشيطان، وقيل الضمير للتحاكم المفهوم من {يَتَحَاكَمُواْ} وفيه بعد، وقرأ عباس بن المفضل بها، وقرئ بهن، والضمير أيضًا للطاغوت لأنه يكون للواحد والجمع، وإذا أريد الثاني أنث باعتبار معنى الجماعة وقد تقدم {وَيُرِيدُ الشيطان أَن يُضِلَّهُمْ ضلالا بَعِيدًا} عطف على الجملة الحالية داخلة في حكم التعجيب، وفيها على بعض الاحتمالات وضع المظهر موضع المضمر على معنى: يريدون أن يتحاكموا إلى الشيطان وهو بصدد إرادة إضلالهم ولا يريدون أن يتحاكموا إليك وأنت بصدد إرادة هدايتهم، و{ضَلاَلًا} إما مصدر مؤكد للفعل المذكور بحذف الزوائد على حد ما قيل في {أَنبَتَكُمْ مّنَ الأرض نَبَاتًا} [نوح: 17] وإما مؤكد لفعله المدلول عليه بالمذكور أي (فيضلون ضلالًا)، ووصفه بالبعد الذي هو نعت موصوفه للمبالغة. اهـ.

.من فوائد ابن عاشور في الآية:

قال رحمه الله:
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ}.
استئناف ابتدائي للتعجيب من حال هؤلاء، ناسب الانتقال إليه من مضمون جملة: {إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} [النساء: 59].
والموصول مراد به قوم معروفون وهم فريق من المنافقين الذين كانوا من اليهود وأظهروا الإسلام لقوله: {رأيت المنافقين يصدّون}، ولذلك قال: {يزعمون أنّهم آمنوا بما أنزل إليك}.
وقد اختلفت الروايات في سبب نزول هذه الآية اختلافًا متقاربًا: فعن قتادة والشعبي أنّ يهوديًا اختصم مع منافق اسمه بشر فدعا اليهوديُّ المنافقَ إلى التحاكم عند النبي صلى الله عليه وسلم لعلمه أنّه لا يأخذ الرشوة ولا يجورُ في الحكم، ودعا المنافقُ إلى التحاكم عند كاهن من جُهينة كان بالمدينة.
وعن ابن عباس أنّ اليهودي دَعا المنافق إلى التحاكم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنّ المنافقَ دعا إلى كعب ابن الأشرف، فأبى اليهودي وانصرفا معًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى لليهودي، فلمّا خرجا، قال المنافق: لا أرضى، انطلِق بنا إلى أبي بكر، فحكم أبو بكر بمثل حكم رسول الله، فقال المنافق: انطلق بنا إلى عمر، فلمّا بلغ عمر، وأخبره اليهودي الخبر وصدَّقه المنافق، قال عمر: رويدكما حتّى أخرج إليكما، فدخل وأخذ سيفه ثم ضرب به المنافق حتّى بَرَد، وقال: هكذا أقضى على من لم يرض بقضاء الله ورسوله.
فنزلت الآية وقال جبريل: إن عمر فرّق بين الحقّ والباطل فلقبّه النبي صلى الله عليه وسلم: «الفاروق».
وقال السدّي: كان بين قُريظة والخزرج حِلف، وبين النَّضير والأوس حلف، في الجاهلية وكانت النضير أكثر وأشرف، فكانوا إذا قتَل قُرَظِيُّ نضيريًا قُتل به وأخذ أهل القتيل دية صاحبهم بعد قتل قاتله، وكانت الدية مائة وسق من تمر، وإذا قتل نضيريّ قرظيّا لم يُقتل به وأعطى ديته فقط: ستّين وسقًا.
فلمّا أسلم نفر من قريظة والنضير قتل نضيريّ قُرظيّا واختصموا، فقالت النضير: نعطيكم ستّين وسقًا كما كنّا اصطلحنا في الجاهلية، وقالت قريظة: هذا شيء فعلتموه في الجاهلية لأنّكم كثرتم وقللنا فقهرتمونا، ونحن اليوم إخوَة وديننا ودينكم واحد، فقال بعضهم وكان منافقًا: انطلقوا إلى أبي بُردة وكان أبو بردة كاهنًا يقضي بين اليهود فيما يتنافرون إليه فيه وقال المسلمون: لا بل ننطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله هذه الآية.
وأبو بردة بدال بعد الراء على الصحيح، وكذلك وقع في مفاتيح الغيب وفي الإصابة لابن حجر، ووقع في كتب كثيرة بزاي بعد الراء وهو تحريف اشتبه بأبي برزة الأسلمي نضلة بن عبيد ولم يكن أبو برزة كاهنًا قط.
ونُسب أبو بردة الكاهن بالأسلمي، وذكر بعض المفسّرين: أنّه كان في جُهيْنة.
وبعضهم ذكر أنّه كان بالمدينة.
وقال البغوي عن جابر بن عبد الله: «كانت الطواغيت التي يتحاكمون إليها واحد في جُهينة وواحد في أسلم، وفي كلّ حيّ واحد كهّانٌ».
وفي رواية عكرمة أنّ الذين عناهم الله تعالى ناس من أسلم تنافروا إلى أبي بردة الأسلمي، وفي رواية قتادة: أنّ الآية نزلت في رجلين أحدهما اسمه بشر من الأنصار، والآخر من اليهود تدَارءا في حقّ، فدعاه اليهودي إلى التحاكم عند النبي صلى الله عليه وسلم لعلمه بأنّه يقضي بالحقّ.
ودعاه الأنصاري إلى التحاكم للكاهن لأنّه علم أنّه يرتشي، فيقضي له، فنزلت فيهما هذه الآية.
وفي رواية الشعبي مثل ما قال قتادة، ولكنّه وصف الأنصاري بأنّه منافق.
وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنّ الخصومة بين منافق ويهودي، فقال اليهودي لننطلق إلى محمد وقال المنافق بل نأتي كعبَ بن الأشرف اليهودي وهو الذي سَمَّاه الله الطاغوت.
وصيغة الجمع في قوله: {الذين يزعمون} مرَاد بها واحد.
وجيء باسم موصول الجماعة لأنّ المقام مقام توبيخ، كقولهم: ما بَال أقوام يقولون كذا، ليشمل المقصودَ ومن كان على شاكلته.
والزعم: خبر كاذبٌ، أو مشوب بخطأ، أو بحيث يتّهمه الناس بذلك، فإنّ الأعشى لمّا قال يمدح قيسًا بن معد يكرب الكندي:
ونُبِّئْتُ قَيْسًا ولم أبْلُهُ ** كما زَعموا خَيْرَ أهل اليَمَنْ

غضب قيس وقال: وما هو إلاّ الزعم، وقال تعالى: {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا} [التغابن: 7]، ويقول المحدّث عن حديث غريب فزعم فلان أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذا، أي لإلقاء العهدة على المخبر، ومنه ما يقع في كتاب سيبويه من قوله زعم الخليل، ولذلك قالوا: الزعم مطية الكذب.